شجرة وزير ... ام ... فساد دوله
عندما سمعت القصه في ليلة البارحه، لم اصدق ما قيل لي، هل الفساد في الدوله وصل لهذا الحد؟!
هل اصبحت شجرة الوزير اهم من توفير الخدمات الاساسية للمواطنين؟ و هل يعقل ان تبقى تلك الشجرة في مكانها دون ان تزال، فقط لانها شجرة الوزير؟
ذهبت لزيارة موقع الشجره، و التأكد من تواجدها الفعلي، ويمكن للجميع الذهاب لزيارتها و إلتقاط الصور لها، لعلها تكون احدى عجائب الدنيا، و مصدر جديد من مصادر قوانين هذه الدوله، التي لم يتبقى فيها قانون واحد لم يتعرض الى الاخفاق بسبب قيام المتنفذين بتجاوزه.
القاطنين بمدينة عيسى، و الزائرين لها، يعرفون الاشارة الضوئية الفاصله بين كل مناطق مدينة عيسى و بين المنطقة التاسعه، و عندما تقطع الشارع بشكل عرضي بعد هذه الاشاره، بقصد التوجه لبوابة قصر وزير الخارجية السابق - الواقع ما بين جرداب و سند - ستجد قبل ان تصل الى دوار البوابه، مدخل غير معبد على جهة اليسار، تتواجد فيه شجرة الوزير، وفي وسط الشارع المؤدي الى المنطقة السكنية الجديده هناك، و التي لم تعبد طرقها للأن.
ولأن منظر تلك الشجرة قبيح للغاية و يتوسط مدخل المنطقة السكنية تلك، و ربما يعيق الرؤيا عند تحرك السيارات و حتى اعمال انشاء الطرق، فقد طلب اهل المنطقة من البلديات ازالة تلك الشجرة، و الاسراع في رصف الشارع.
فجاء رد المسؤولين في البلديه، بأنهم لا يمتلكون صلاحية اقتلاع تلك الشجرة - حتى و إن كانت في وسط شارع عام تعود ملكيته للدوله - لأنها من ممتلكات الوزير، ولا يجوز لهم التعدي على ممتلكات الوزير من اشجار و مزروعات، متواجده على اراضي لا يمتلكها اساسا.
و لا أعلم كيف تقوم الدوله، بشراء الاراضي المتواجده في بعض مناطق عالي بثمن بخس هذه الايام، و تعلل قيامها بعملية الشراء رغم رفض الملاك، الى انها تقوم بالاستملاك من اجل الصالح العام، وذلك يبيح للدوله ان تنتزع ملكية اي ارض او عقار من مالكه و تحويلها للصالح العام مع دفع التعويض الملائم للمالك، و لا تتمكن ذات الدوله من انتزاع شجرة الوزير من شارع هي تمتلكه و ليست محتاجه في ذلك لأخذ اذن من الوزير او من اي مخلوق اخر.
كل الخوف ان تقوم الدوله بإقتلاع الشجرة من مكانها و تعويض الوزير بمبلغ من المبالغ المليوينيه، جراء اقتلاع الشجرة العائدة ملكيتها له.
بيان " هي قصتي "
أنا اكبر منها بـثمانية عشر شهراً، هي حلم حياتي الذي أسعى إليه منذ سنين عديدة.بيتها أقرب بيت لنا، عرفتها عندما كانت صغيرة، لا أذكر متى رأيتها و وقعت عيني عليها، ولكن بكل تأكيد كان عمرها لم يتجاوز الأسبوع الأول.دائماً كنت اسمع أمي و أمها و هما تتحدثان " بيان " لـ " إستبرق " فكنت سعيداً بذلك " بيان " ستكون لي ألعب معها متى ما أشاء، و امشي معها في ممرات قريتنا، و سآخذها معي إلى حيث اذهب، لأنها " ملكي " .مرت السنين في اثر السنين، ازداد ارتباطي بـ " بيان " و ازداد ارتباطها بي و بالكاد كنا نفترق، وإذا افترقنا فعلى أمل اللقاء في اليوم التالي.بلغتُ السادسة من عمري، و بدأت معها أول أيامي الدراسية، كم كانت تلك الأيام بغيضة بالنسبة لي، فهناك خمسُ ساعات يومياً اقضيها خلف أسوار المدرسة بعيدا عن " بيان " و ضحكتها .. و تليها ساعات أخرى اقضيها في أداء الواجبات و الاستذكار، وما كنت استذكر غير وجهها و ابتسامتها، لم أرها طوال الأسبوعين الأولين من الدراسة.بعد أسبوعين تغير الحال، وباتت المدرسة اجمل ما في حياتي و اسعد الساعات هي تلك التي اقضيها وأنا أقوم بحل الواجبات، فعندما دق جرس الانصراف من المدرسة .. خرجت راكضا في طريقي إلى البيت، فكانت أمامي " بيان " تبتسم لي، و على ظهرها حقيبة كحقيبتي، عدنا إلى بيتنا و أصرت أن اعلمها كل ما أتعلمه في المدرسة .. و هي السبب الأول و دافعي الأكبر في التعلم، حتى انقل لها ما أتعلمه بعد انتهاء اليوم الدراسي.و في هذه الفترة أيضاً بدأنا في تعلم الصلاة أنا و أولاد القرية في الطابق الأرضي وهي والبنات في الطابق الأول، ومن يعلمنا الصلاة – نحن الأولاد - شقيق من تعلم البنات الصلاة.قبل أن ينادي المؤذن للصلاة تتوجه " بيان " إلى منزلها لترتدي رداء الصلاة ( الملفع ) ثم اذهب لها و أضع يدي في يدها و نذهب معا لتعلم الصلاة.جمالها و فتنتها تزداد يوما بعد يوم، شعرها البني الداكن المسدل على كتفيها، عينها السوداء المتألقة، بشرتها البيضاء المشربة بالحمرة، شفتاها الخمريتين و ابتسامتها الساحرة ونقش الحناء بكفيها الصغيرتين كل هذه الفتنة يزينها رداء العفة - الملفع - عندما نذهب لتعلم الصلاة.لبست الحجاب و الملاءة السوداء لأول مرة عندما كانت في الثامنة من العمر .. كنـت أقصد معها شاطئ البحر " السِيف " يومياً قبل دقائق قليلة من دخول وقت الصلاة أو صباحاً في أيام الإجازة، ونجلس على تلك الصخرة و نداعب بأرجلنا موج البحر .. ينظر لنا رواد " السِيف " من كبار و صغار بنظرات متفاوتة بين ذهول و استغراب من هذه العلاقة التي تزداد التحاما يوما بعد يوم وبين نظرات الغيرة في أعين من هم في مثل عمرنا .غدا يوم الجمعة ولم يبقى الكثير لامتحانات منتصف الفصل الدراسي الأول " أواسط نوفمبر " و عقدنا العزم على أن تقوم " بيان " بمساعدتي في الاستذكار " كنت حينها في الصف الخامس الابتدائي و هي في الصف الثالث الابتدائي" لأنها تحفظ جيدا كل ما دَرسته و دَرَّستهُ لها.أوصلتها لمنزلها عند العاشرة مساءً تقريبا بعد أن انتهت القراءة الحسينية التي تعود أبي إقامتها في منزلنا كل ليلة جمعة من كل أسبوع، وبعد أن انتهت من مساعدة والدتي في شؤون التنظيف و إعادة ترتيب المنزل.و عند باب منزلها و دعتُها على أمل اللقاء غدا صباحا كما اتفقنا .. إلى المنزل عدت متعبا فقصدت الفراش طلبا للراحة .. وكان نومي ثقيلا على خلاف العادة .. و لم استيقظ إلا على صوت رنين المنبه عند الثامنة صباحاً .. و معنى هذا أن صوت أذان الصبح لم يفلح في إيقاظي، و كذلك والدتي لم توقظني لأداء الصلاة في وقتها و ذلك أمر غريب وغير معتاد.بداية غير طيبه لهذا اليوم .. أسرعت لقضاء الصلاة الفائتة، و لم انتبه لهدوء البيت، فرغت من الصلاة، جهزت نفسي و كتبي للاستذكار و انتظرت وصول " بيان " لنفطر سويا قبل أن نستذكر، لكنها لم تصل في الوقت المحدد، وكذلك والدتي لم تدخل غرفتي إلى هذا الوقت و هي التي اعتادت أن تدخل الغرفة كل بضع دقائق مبتسمة لي ثم تخرج .. حاولت أن اشغل تفكيري بأي شيء أخر لأقضي على ملل الانتظار .. ولم أوفق في ذلك.خرجت من غرفتي، وانتبهت الآن فقط إلى خلو البيت من سكانه، اتجهت فورا إلى بيت " بيان " دقـقت الباب مـرة و مرتـين وثـلاث .. ولم يفـتـح لي الباب، دقـقت الباب بقوة اكـبر و ناديـتها " بيان " " بيان " " بيان " … ولم يصلني آي جواب من داخل البيت.أطرقت برأسي و أسندت ظهري إلى حائط البيت القريب سمعت صوت بابٍ يفتح، تسارعت نبضاتي رفعت رأسي لأنظر ربما تكون " بيان " .. ولم تكن هي " بيان " بل كانت جارتنا الأخرى العجوز رباب أو كما يسميها الجميع " ربابي " .. نادتني إستبرق تعال، أريد أن أحدثك قليلا.ذهبت لـ " ربابي " .. و أدخلتني معها المنزل، وجهزت لي إفطارا، لم آكل منه أيَّة لقمة، رغم إصرارها الشديد و حلفها بالأيمان المغلظة أن أمد يدي و آكل من إفطارها .. إلى أن وصل بها الأمر أن تقول " وحق ما يحويه قلبك لبيان " .. رفعت رأسي في اتجاه " ربابي " أين هي " بيان " و أهلها وأين هم أهلي أيضا؟.أطرقت " ربابي " و صمتت عن الحديث، وسالت بعض الدموع من عينها، ثم بدأت في الحديث .. لقد داهمت الشرطة منزلهم يوم أمس بعد منتصف الليل و أخذوهم جميعا إلى حيث لا نعلم، ثم عادت الشرطة من جديد قبل صلاة الفجر و معها والد " بيان " ليأخذ بعض المتعلقات من المنزل فلقد صدر قرار بإبعادهم جميعا و ذهب أبوك و أمك مع الشرطة و والد " بيان " ليقوموا بتوديعهم الوداع الأخير.ماذا تقصدين بالإبعاد؟.اقصد أن عائلة " بيان " قد تم طردها و عليها أن تبحث عن وطنِ آخر، دُقَّ بابُ منزل " ربابي " فقمت بفتحه نيابة عنها كانت أمي هي الطارق، ارتميت على صدرها ابكي و هي تبكي معي ... لم استطع أن أتكلم أو أن اطرح أي سؤال على والدتي فلقد ألجمني البكاء و عدنا إلى منزلنا.لم أرَّ أبي في حالة تشبه حالته هذا اليوم، ولم أره يتحامل على حزنه كما هو الآن، ولم أره شارد التفكير كما هي حاله ... طلب مني الجلوس في مواجهته، و قد امسك في يده اليمنى ورقة صغيرة يقلبها من حين لآخر .و قال : و لدي إستبرق لقد بلغت مبلغ الرجال، وعلى الرجال الأشداء أن يثبتوا و أن لا يثنيهم عن عزمهم أي ظرف مهما كان قاسيا و صعبا.. أَعلمُ كم هو مؤلم أن تفقد حلمك الذي سعيت له، ولكن الحياة هي الحياة و فيها الكثير مما يجب أن نتعلمه.سألته، ما معنى الإبعاد؟ ولماذا أبعدوهم؟ و إلى أين؟ و هل يمكننا اللحاق بهم؟أجابني: على رسلك يا ولدي وخفف من انفعالك حتى تعي ما أقوله لك، الإبعاد: هو أن تقوم بطرد الشخص من الوطن الذي يحيا فيه سواء كان حاملا لجنسيته أو لا.قاطعته: و ما هي الجنسية؟أجاب : صبرك يا ولدي حتى أتمكن من إجابتك، الجنسية: هي وثيقة ورقية تثبت انتماء الشخص إلى الأرض التي يقيم عليها وليس كل من يملك الجنسية يملك الانتماء الحقيقي للوطن وليس كل من لا يملكها لا ينتمي لهذا الوطن، واقرب مثال لذلك " نحن ". " أنت و أمك وأنا " لا نملك جنسية هذه الدولة وكذلك لا نعرف لنا وطن غيرها .. وكل ما اعرفه عن أصلنا بان جدي الذي توفي قبل خمسة عشرة سنة عن عـمرٍ فاق التسعين عام ، ولد هنا على هذه الأرض وبين أحضانها.وبسبب عدم امتلاكنا لأوراق الجنسية فرضت علينا الإقامة المؤبدة داخل البلاد وعدم مغادرتها و لهذا لن نتمكن من اللحاق بـ " بيان " و أهلها، إما " بيان " و عائلتها فهم من من يمتلكون الجنسية، ولهم امتداد ضارب في تاريخ هذه الدولة على مدى خمس قرون سابقة، و لكنهم ابعدوا و طردوا من أرضهم و لا نعلم سبب لذلك، و لا نعلم متى سيعودون، قصدوا إحدى الدول القريبة، حتى يختاروا الدولة التي يرغبون العيش فيها مستقبلا، فهم الآن يبحثون عن وطن.لا اعلم أن كنت تفهم ما اعنيه أو لا، ولكن الشيء الذي أريد أن أوصله لك هو أن " بيان " و عائلتها لن تعود قريبا و ربما لن تعود بتاتا و نحن لا نستطيع أن نذهب لهم.أعطاني أبي الورقة التي كانت بيده .. وهو يقول خذ هذه الورقة فهي لك من " بيان " ... ثم خرج عني.فتحت الورقة بسرعة و قرأتها ... دمعت عيني و لكنني ابتسمت بعدها.مضت عشرون سنه و لم تنقطع مراسلاتي مع " بيان " فلقد أصبحت زوجتي أمام الله و الناس، ولم يبقى إلا أن يتحقق أملنا.و الورقة التي كتبتها لي قبل أن ترحل أصبحت توقيعنا المشترك في الرسائل أو المكالمات المتبادلة بيننا .. احتفظ بهذه الورقة في جيبي دائما و لا أًّمِلُ من تكرار قراءتها ففي حروفها تنطبع صورة " بيان "
.سيجمع شملنا يوماً وفي البحرين نحتفلُ
الشمعة
الابيض ... ثلجٌ جاثمٌ على الطرقاتِ و البيوت الاسود... ليلٌ طويلٌ، تتلوه سويعاتٍ من نهارٍ دون شمس الاحمر... قطراتُ دَّمِ جمدت فوق شفتيه خشخشة المفاتيح وهي تدور في قفل الباب، منحته بعض الدفء الذي يحتاجه و يحلم به ... خلع معطفه الجلدي المبلول بقطرات المطر، و وضعه بالقرب من المدفئة، حتى يجف و كذلك فعل بباقي ملابسه ... توجه للمطبخ، أخرج إناء الحساء الذي صنعه قبل يوم من الثلاجة و وضعه فوق النار، ثم ذهب للحمام ليأخذ حماما ساخنا ... انتهى من الاستحمام، سكب له طبق من الحساء الساخن ... ليعوض به ما فقده من دفء طوال ساعات النهار ... فرش مصلاه، وبدأ في اداء الصلاه ... " يعتقد بانه قد اغفل الكثي من الفروض في اول سنوات تكليفه، وها هو الان يقوم بقضائها دون ان يعلم هل بقى عليه الكثير ام لا " ... حمل القرآن بين يديه و بدأ في القراءه، و يعتمد مقدار ما يقراه على حالته النفسية و الوقت المتاح له، فكلما شعر بالحزن و الوحشه إلتصق بالقرآن ليأنس به و يداوي به وحدته و اكتئابه ... فرغ من صلاته و من تلاوة القرآن، مسح بيده اليسرى على وجهه .... " يحتاج لتهذيب ذقنه " ... فما تعود إلا أن يكون مرتبا جدا لدرجه تثير استغراب البعض منه ... بعض اصدقائه اطلق عليه النكات بسبب ولعه الشديد بالنظافه و النظام و هوسه المحموم بهما، فقد قيل عنه بان احد اهم هواياته هي غسيل الاطباق ... هذب ذقنه و شاربه واخذ حماما جديدا اطفأ انوار غرفته و اشعل شمعه... إستقر على سريره اغمض عينيه، و دارت في مخيلته افكار كثيره و ذكريات جمه، استقرت به الذاكره على صوت والده، وهو يكرر على مسمعه جملة بعد أن لطمه على خده الايسر قبل اكثر من 16 سنه، عندما توفيت جدته " ام والد " ... كان في السنة الدراسية الخامسة عندما توفيت، و كانت وفاتها مفاجئة للجميع فلم تكن تشتكي من اي مرض او عله، و هيئتها لم توحي ابدا بالضعف او الوهن و لم يترك الزمن عليها الا بعض التجاعيد كأثر لا يزول، و ما عدا ذلك فلقد كانت قويه صلبه اكثر صلابة من الكثيرين ممن يصغرونها سنا... صباح يوم الجمعه انتقلت الى جوار ربها و تم الفراغ من مراسم الدفن عند صلاة الظهر تقريبا... عاد من المقبرة و الدموع تملأ عينيه، وقصد بيت جدته الاخرى " ام والدته " ... اخرج من حقيبته كتاب اللغة العربية وبدأ يدرس فيه ... أقيم اول مجلس من مجالس الفاتحه عصرا، و لابد ان يتواجد مع والده واقاربه ، فكان هناك ... نفر الجميع مع صوت اذان المغرب، فذهب مسرعا واخذ كتاب اللغة العربية من جديد ليدرس ... و حينما اقيم مجلس الفاتحه ليلا، كان يتوسط والده وعمه و يتلقى التعزية معهما، و حينما اقتربت الساعه من العاشرة ليلا انصرف الجميع ... في طريق العوده للمنزل، و الدموع لازالت تُذرف من عين والده، قال له: ابي، لن احضر مجلس الفاتحه صباحا و ساذهب للمدرسة، لاقدم امتحان اللغة العربية لطمة قوية على وجهه، تلتها صرخات من والده ..... " انت بلا مشاعر و بلا احاسيس" انت بلا مشاعر و بلا احاسيس ...... انت بلا مشاعر و بلا احاسيس ...... انت بلا مشاعر و بلا احاسيس ...... انت بلا مشاعر و بلا احاسيس ...... انت بلا مشاعر و بلا احاسيس ...... انت بلا مشاعر و بلا احاسيس ...... انت بلا مشاعر و بلا احاسيس ...... انت بلا مشاعر و بلا احاسيس ...... انت بلا مشاعر و بلا احاسيس ...... تكررت في اذنه هذه الجملة كثيرا، بصوت والده في اول الامر ثم تلتها اصوات عده ... اراد ان يهرب من هذه الاصوات، تقلب على سريره ذات اليمين و ذات الشمال، نظر للشمعه المشتعله حدثها .... هل تسمعين هذه الاصوات، هل تصدقينهم؟؟؟!!! انا لست بلا مشاعر و لست بلا احاسيس.... كم احسدك ايتها الشمعه على مقدرتك في البكاء و التعبير عن نفسك، كيف تستطيع ذلك وانا لا استطيع؟! اذوب مثلك تماما و احترق لكن الهيكل يبقى كما هو ولا يتغير و لا يتبدل، اذلك ذنبي؟! كلما ارسلت دموعك الذائبة يعلم من يراك بأن عمرك قصير و انه سينتهي مع انخماد لهبك الذي تصدريه، لكنهم يتجاهلون و يتعامون عن ذوباني ... في كل مره اخبرهم باني متعب و بان ساعة نهايتي قد حانت و لا مفر منها، يضحكون و يقهقهون، ثم يطلبون المزيد من الضوء ... من اين لي المزيد و من اين لي الضوء و الدفء؟! و كيف سأبقى و الذوبان قد اكتمل و اشتد ولم يتبقى لي، ما يمكنني ان اشعله ... يفرحون بكِ كثيرا، و هم يشاهدون مراسم احتضارك و وفاتك... و يفرحون باحتضاري ايضا فليكمل كل منا الاخر انا و انت .... و نبدأ في الذوبان سويا الابيض ... شمعُ ذائب الاسود ... دخان الاحتراق الاحمر ... اخر لهب اصدراه
تجارة عامه و قومسيون ... درب الزلق حقيقه
كمعظم ابناء الوطن العربي و ابناء الخليج تحديدا، شاهدنا المسلسل الرائع و الخالد " درب الزلق " لعبدالحسين عبدالرضا و سعد الفرج، و الذي اكاد اقسم بأنني احفظه كما هو حال الكثيرين عن ظهر قلب، لكننا لا نتردد عن متابعته مجددا كلما تم عرضه على شاشات التلفزيون.ذلك لان درب الزلق جاء بعيدا عن التكلف و المبالغات و قدم خطابه المميز بأسلوب شديد البساطه و الوضوح، ليلامس قلوب المشاهدين وعقولهم في نفس اللحظه.ما يميز درب الزلق عن باقي المسلسلات ليس الابداع الاخراجي او المؤثرات او القصه و السيناريو المحبوك، بل تعدا كل ذلك و تميز بقدرته على مزج الابتسامه بالألم.جميعنا نتذكر صفقة الاحذيه التي استوردها حسينوه، و كانت حسب تعبيره - كلها يسره - ولم تكن هذه المشكلة الوحيده في هذه الصفقه، بل كانت هناك مشكلة اكبر، عندما اراد الزبون ان يرجع الحذاء - الجوتي - ويسترد ما دفعه، و اخبر سعد بأنه - من البس الجي جو جي جو - اتخزبق، ضحكنا كثيرا على هذا المشهد، و لو تمت اعادته امامنا عشرات المرات سنضحك مجددا، فكيف يؤثر الحذاء على النطق، وما هي العلاقة الرابطه بين القدم و بين اللسان.اليوم فقط، اعترف بجهلي الشديد لما شاهدته في حلقات درب الزلق من حكم متقدمة على عصر تصويره .. و الحمد لله الذي امد في عمري و عمر الفنانين عبدالحسين عبدالرضا و سعد الفرج، لنقرأ تصريح الشيخ فواز آل خليفه رئيس المؤسسة العامه للشباب و الرياضه، بعد مباراة منتخبنا الوطني مع اليابان و التي انتهت بفوز اليابان، اثر هدفٍ سجله محمد بن سالمين خطأ في مرمى فريقه.وقال الشيخ فواز "يجب أن تعرف الجماهير أن سالمين لعب الشوط الثاني بحذاء التدريب بعد أن استبدل حذاءه الأساسي الذي تلف في استراحة مابين الشوطين , فكان بالتأكيد سيؤثر حذاءه الإحتياطي على دقة تسديداته وتخليصاته للكرة" .كان بإمكان الشيخ فواز ان ينسب سبب الخساره الى اي شيء اخر، عدم التفاهم بين اللاعبين، سوء التغطيه الدفاعية، او حتى الى الضغط النفسي بسبب حساسية المباراه، كل هذه الاسباب بالامكان تصديقها، اما ان يكون سبب هزيمتنا بسبب حذاء - جوتي - بن سالمين فذلك لا يتقبله اي عقل، الا في حال تقبلنا الى احداث مسلسل درب الزلق.اقرا التصريح من مصدرهhttp://www.kooora.com/default.aspx?s...cle=3440&obj=0
ألوان بلا ألوان .... هلوسة محموم
( 1 )
عند شروق شمس الصباح، تتفتح زهرة بيضاء ناصعة، ريحها عبق ...
و مع مرور ساعات اليوم تزداد اما ابيضاضا و فتنه، او تبدأ في الاسوداد تدريجيا ...
قبل ان اخلد للنوم، ألقي عليها نظرتي الاخيره ...ثم تذبل و تتلاشى ...
* إستيقظ
إستيقظتُ فزعا مرعوبا، ماذا هناك؟!
* قم ...بدأ موسم حصاد الزهور، وحان وقت بيعها
حصاد الزهور؟! أي زهور؟!
* امامك ارضك، و كل ما عليها من زهور هي زهورك، اجمعها
الارض شاسعة جدا، و الزهورة كثيرة ...
جمعتها كلها، و صنفتها بين الابيض و الاسود، كلٌ حسب لونه ...
أترقب الان ما يعود لي من ريع بيعها
* رددنا عليك زهورك، فلا يوجد فيها ما يصلح للشراء
و تعبي في جمعها و احصائها
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا
صدق الله العظيم
( 2 )
هل انقضت الايام العشرة
ام نحن في بدايتها
فرشٌ ابيض و غطاء
و علب دواء
و اوراق الاشجار المتساقطه
و احدة تلو الاخرى
كانما تريد الفرار من كل ما يربطها بالشجرة
و خلف النافذة اقبع
اتأمل في ذاك المنظر
و افكر
كيف اعيد الاوراق الى اغصان الشجرة
و هل تعود؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
صدق الله العظيم
( 3 )
و تحت نافذتي
مر موكبه الكبير
محاطاً بالمئات
إذا لم نقل بالالوف
طبولٌ
دفوفٌ
ورقص
تناسوا جميعاُ
بأن فؤادي
بهِ ألف جرحٍ و نزفٍ
و من قبلهم
هو
قد تناسى القصص
* اقرأ
عليهِ اعدها له
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ @ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ @ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ @ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ @ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ
صدق الله العظيم
( 4 )
ايامٌ قليله
لكنني
كرهتُ فيها اشياء عده
الحمى و اقراص الدواء
و صوت قطرات الماء القليله التي تسقط من الصنبور
آه
كم اكره هذا الصوت
و كم اشعر بالعجز امامه
3 امتارٍ فقط تفصلني عنه
و لا استطيع ان اصل له
قهرتني الوحده
وضيق الغرفه
و الوحشه
اضعفتني
و ابكتني رغما عني
ان كان هذا حالي
في ايام عشره
فـــ
شلون بيه من انفرد بعمالي
و الذنوب تصير كلها قبالي
و ادري منكر ما يروف بحالي
و لا بحكم الله عليَّ يحابي
شلون بيه لو ضغط جسمي القبر
وقام من خشمي حليب امي يدر
شلون بيه من اوقف بيوم الحشر
و ياخذ المعبود بستجوابي
( 5 )
أهي حرارة الحمى
أم هي النار اقتربت
منى
وهذا زفيرها
من ينقذني منها
و يبعدني عنها
إن كان ذلك لذنبٍ اذنبته
فلن أجد ( سواك )
لذنوبي غافراُ و لا لقبائحي ساترا
يا ربي
أرحم ضعف بدني و رقة جلدي و دقة عظمي
يا ربي
أتراك معذبي بنارك بعد توحيدك و بعد ما انطوى عليه قلبي من معرفتك
يا ربي
أتسلط النار على وجوه خرت بتوحيدك صادقة
يا ربي
كيف اسكن في النار و رجائي عفوك
يا ربي
أقسم صادقاً، لئن تركتني ناطقاً، لأضجن إليك بين أهلها ضجيج الآملين، ولأصرخن إليك صراخ المستصرخين، و لأبكين عليك بكاء الفاقدين، و آنادينك …
الهي بالميامين هداتي من بني هاشم
بخاتم النبيين أخ الوحي أبي القاسم
بمن صام بمن صلى بمن صدق بالخاتم
بمن آثر بالقرصِ ثلاثا و طوى صائم
بمن ردت له الشمس ببابل و الملأ عالم
بحق البضعة الزهراء بنت المصطفى فاطم
بالمسوم و المقتول ظلما فالعن الظالم
بالسجاد و الباقر و الصادق و الكاظم
بالمدفون في طوسٍ عليٍ و ابنه العالم
بحق العسكريين مع المنتظر القائم
أجرنا من لظى النيران يا رحمن يا راحم
أجرنا من لظى النيران بل من شرها الحاطم
نصٌ .... بلا معنى
هل تذكرين
حيثُ إلتقينا
دائماً
أنا و أنتِ
المكان هو المكان
و الزمان هو الزمان
لكنما اختلفت لغة التخاطب بيننا
جف الكلام
فنطلقت لغة
العيون
أوحت إليَّ
و أوحت إليَّ
.... حبيبي تعالْ
أقم فوق جسمي مدينةَ حبٍ
بسيفٍ من العشقِ و الاشتعالْ
و أَرضِع بثغركَ خدي و نحري
و أمسكْ
إذا بلغ الخد حينْ الفصالْ
يداعبُ كفكَ شعري!!
أتوه
تغوص الحقيقة بين الخيالْ
مكائد نهديَّ قد هيئا
و أوحت إليَّ
فألقيتُ في سمعها أحرفي
غضةً ...
" على شفتيكِ يحلو النزال "
نبيٌ من نوع أخر
بعثتُ نبياً
و معجزتي
أُحدثكِ صامتاً كل حينْ
و أما الصلاةْ
فقبلتها وجهكِ
إليَّ الزكاة أُحلت
و تُدفع من ثغركِ
قبلتين … أقل النصابْ
إليكِ يكون مسيرُ الحجيج
وكل الحجيجِ أنا
أطوف بكِ
أداعبُ أستاركِ
و عند مقامِ الخدودِ أصلي
و أسعى
منكِ … لكِ
إلا فاشهدي
بأن الغرامَ إلهٌ
و إني نبيٌ
بعثتُ لكِ وحدكِ
فهل تؤمنين؟!
القربة و القسم
لا ليس بي سقم
فلم يعد يشخب من اوداجي اي دم
وليس بي الم
لكنما قد مر في خاطري العلم
موسدا ديم
و عندها ايقنت ان الفارس الاشم
ملقى بشط يم
و حوله كفيه والقربة و القسم
---------------
عباس فلت شوكتي ................ عباس قلت حيلتي
و ظهري كسرته
لخيمتي ساحملك ................... فزينب تنتظرك
و عزها تندبه
كيف اعود يا اخي ................ سكينة تبصرني
وعهدها اخلفته
ندائها اسمعه ...................... عماه ماء مطلبي
لكني ما لبيته
دعني و حيدا يا اخي ............ و قل اذا رأيتها
عباسك تركته
.............. و حوله كفيه و القربة و القسم
---------------
كم مرةٍ عدت إلى الخيام
تحملُ أشلاء أحبةٍ
مزقها الحمام
كم مرة نزعت نصل الدمع من
بوادر الكلام
كم مرةٍ عدت إلينا شامخا
مصطبرا تداعب الايتام
************************
و الان عدت يا ابي
ممتطيا صهوة حزنٍ
و ألم
ناديتني
بنيتي
ماذا ترى ستفعلين؟
سقط العلم
و تركته عند الفراتِ ممدا
سهمٌ بمحجره استقر
و الرأسُ منفضخٌ
وبت الكف
قد بر القسم
**********************************
و أهداني
لك قربه
ولكن السهام أتت
تراود مائها عنها
لذى انهرقَّ
تخبركِ
لك العباس يعتذرُ
و حوله كفيه و القربة و القسم
في الانتظار
أتُراكَ تغازلُُ مقدمهُ
إذ طال الهجرُ
شفتاهُ خيالكَ طاردها
يحلو من شفتيهِ السكرُ
قرب الامرُ
و اندكت كل حصون الصبرِ
لطلتهِ
صدقوا
تاللهِ ذا قمرٌ
في هيئة البشرِ
غرف العباسُ بكفيهِ
فانتعش النهرُ
........... الطوفه ..................
تعالوا نسال الطوفه
عن اللون الي تتمناه
عن اللون الي هي ترضاه
تبي الاحمر لو لزرق او لولصفر
اولو حتى تبي لون احنا ما نبغاه
تعالو نسال الطوفه
او قالت لينه الطوفه
(ابي الالوان مجمعه
ابي رسمه وابي صوره و ابي كلمه
و ابي دمعة حزن ممزوجه بالبسمه
وابي غيمة مطر متغطيه عن نسمه
اني التاريخ
و سال عني الرومان
و سال عني لهرامات
واهالي الصين
و اهل دلمون
على صدري ادون قصة الانسان
بالرسمات)
********************************
ليوناردوا ثلاث اسنين
ظل يرسم على الطوفه
او يرسم ناس يتعشون
اهي تسوى
او لوم انزلح من فوق
وانكسرت له اضلوعه
اهي تسوى
اقولون ان هي تسوى
ثلاث اسنين لو اربع
او لو خمس بعد تسوى
******************************
كم فنان
ظل يرسم على الجدران
مو ها اليوم
لكن ها الحجي من سالف الازمان
ظل يرسم بلى ريشه
او بلى قبان
يوم الصوره مقلوبه
او يوم الصوره مهزوزه
او يوم الصوره ما تنبان
ها الصوره اللي في الطوفه
رغم كل الذي يجري
اهي العنوان
أخاف
أخاف
من النسماتِ
إذا داعبت وجنتيها
و من قطراتِ الندى
فحدُ الندى
جارحٌ ليديها
و من دمعها
كم أخافُ
فقد خدشت دمعةٌ
وجنتيها
أخافُ
أخافُ
أخافْ
ومني أخافُ عليها
اسمها ....
سقطت حروفك من فمي
و أنا الذي
خبأتها
لم ادري كيف تبعثرت
و دمي تعهد
حفظها
هل شوقها للانطلاق و للحياة
أم عشقها للانطلاق من القيود
و كسرت القيود
و سافرت
و ما استطعت منعها
و رأيتها
مزدانةً ..... ريانةً
في كل يوم
في الشروق
و في الغروب
لتخبر الاكوان
إنها أنطلقت
مني
و ما طلقتها
و بأنها
محبوبتي
و أنا الذي
أحببتها
و أنا الذي أهديتها
قبلاً
على و جناتها
بحرٌ
و ياءٌ
ثم نون حروفها
سقطت مني
فكونت ....
..... إسمها
انتهت المهمه
أنت يا من
لفهُ الصمتُ
و غطاهُ السكون
من تكون؟!
أنت يا من
تتوارى خلف كثبان الجنون
من تكون؟!
أنا
لا شيء
مُبعثٌ أحمل اهات ألوف العاشقين
و معي
أحمل تفويضاً
من الدمعِ الهتون
أنت يا من
كُنت للعشاقِ مبعوثاًَ رسولاً
من تكون؟!
أحسبت
العشقَ ما يلعبُ فيه اللاعبون؟!
خذ من العشقِ دروساً
كُشِّفَ الوجهُ
و جاء الصوتُ من شفة الجفون
تم إغراقكَ في بحر العيون.
إني ...... و السلام
عجز اللسان
فتلعثم القلم المضرج بالغرام
بقصيدة دون اتزان
اوزانها قد جئنا من بحر الغرام
تفعيلها
حرفان في معناهما
اختزل الكلام
في بدئها كان الختام
اني
احبك
و السلام
الرجل الصغير
السبت 13/4/2002
22:35
عاد الى منزله قبل دقائق معدودة، سلم على والدته و والده و تبادل معهم كلماتٍ قليلة، ثم غادرهم متوجها الى غرفته المطلة على الشارع العام ..
ضغطت اصابعه على زر المصباح الكهربائي و زر مكيف الهواء، بينما اتجهة عيناه ناحية الحاسوب ..
فتح خزانة ملابسه، اخرج منها ملابس نومه الخضراء و وضعها على سريره .. بجوار قصةٍ اشتراها قبل اكثر من ثلاث شهور، لكنه لم يقرا منها أكثر من اربعين صفحة ..
لم تكن تلك عادته، فلا يكاد يسقط كتابا بين يديه حتى يلتهم حروفه خلال ساعاتٍ معدودة ..
استبدل ملابسه و رمى بجسده المنهك على السرير، فتح قصته من حيث توقف في الليلة السابقة، قرأ كلماتٍ قليلة و رماها ..
يشعر برغبة شديدةٍ في الاستفراغ، عض على شفتيه بقوةٍ فادماها، لكن الالم معدتها لم تسكن بل زادت حدتها و شراستها ..
كيف له ان يوقف هذه الالم التى ترافقه منذ ما يزيد على الثلاث سنوات، ولا يعلم لها سبب واضح ..
قصد الكثير من الاطباء و المختصين لإيجاد الدواء الشافي و العلاج الناجع، لكن دون جدوى، فكل من قصدهم وصلوا الى النتيجة ذاتها .. ليس هناك اي مرض عضوي .. و لا تخرج هذه الالم عن كونها حالةٌ نفسيه ..
زرع في نفسه رفضاً تاماً لتناول الاطعمه التي تجهز في المطاعم، كما اوهم نفسه بان والدته و جميع اقاربه و اصدقائه لا يقومون بطهي اللحوم - البيضاء و الحمراء - كما يجب، و هذا ما يسبب له الألم ..
طبيعة حياته تفرض عليه ان يتناول وجباته الثلاث خارج المنزل و مرافقة الامه طوال اليوم ..
و الغريب في الامر بانه يتفنن في اختيار اطباق وجباته التي يلفظها بعد دقائق قليلة من استقرارها في معدته ..
السبت 23/2/2002
23:03
انتهى اليوم الأول من أيام عيد الأضحى، بعد برنامج طويل من الزيارات العائلية المتوالية و الالتقاء بالأصدقاء و الأصحاب ..
أدار محرك سيارته و غادر منزل جدته – تعود أن يقضي يوم العيد الأول به – متجها إلى منزله، صاحبا معه بعض الموسيقى الهادئة ترافقه في الطريق الذي يتجاوز السبع و العشرين كيلومتر بقليل ..
لا تتجاوز سرعته العشرين كيلومتر عندما يقود سيارته في ممرات القرية الضيقة ..
لفت انتباهه طفلٌ يبلغ من العمر ثمان سنين و بضع اشهر، يبحث في حاوية القمامة – على طرف الطريق – عن شيء ما، و بدل أن يرتدي ملابس العيد الجديدة، يرتدي ملابسا رثة بالية ..
اجبره فضوله على إيقاف سيارته و الترجل منها، ليسأل هذا الصغير عن سبب بقائه خارج منزله لهذا الوقت المتأخر من الليل..
" اليوم هو أول أيام العيد، ولابد أن أجد بعض فضلات طعام العيد هنا" ... هكذا أجابه الصغير ..
أحس بصداعٍ عنيف، و أن رجليه لا تقويان على حمله، و تسربت قطرات من الدموع من عينيه، اخرج من محفظته ورقة نقدية – ذات فئة كبيرة – و قدمها للصغير ..
لم يلتفت الصغير للورقة النقدية- قاصدا – ولم يعرها أي اهتمام، و استمر في بحثه في حاوية القمامة ..
اقترب منه اكثر، انتزعه من بين أكوام القمامة، و أوقفه قبالته
" ما اسمك؟! هل أنت جائع؟ "
صمت الطفل طويلا، دمعة صغيرة بللت أطراف رمش عينيه، رفع رأسه ابتسم ابتسامة خجولة، و هم بالعودة لحاوية القمامة من جديد ..
ضغط على يد الصغير بقوة كبيرة، نظر له نظرة تكاد تقتلعه من مكانه، خاطبه بصوتٍ مرتفع .. " اترك حاوية القمامة و تخير من المطاعم الموجودة أمامك ما تشاء و اطلب لك و لأهلك طعاما أنا ادفع ثمنه "
ابتسم الطفل من جديد، و يده تأن تحت قوة قبضته .. فكر قليلا .. " أريد طبقاً من الحمص و رغيف خبزٍ واحد "
علت وجهه علامات الدهشة و الاستغراب " فقط!!!!!! " .. قالها بصوت خافت يحدث به نفسه ..
اجزم بان هذا الطفل مجنون، فبعد أن تجاهل يدي الممدودة بالورقة النقدية هاهو يتجاهل دعوتي لإطعامه، ويختار طعاما لا يبلغ في مجموعه اكثر من مائة و عشرين فلساً...
اشترى له ما أراد و أخلى سبيله، فركض مسرعا باتجاه حاوية القمامة من جديد ليتناول طعامه جوارها .. و قبل أن يضع اللقمة الأولى في فمه، نظر نحوه ... و اقترب منه، قبله على جبهته و همس في أذنه .. اسمي ضياء ...
الجمعة 5/4/2002
16:07
يتبادل الأحاديث مع والدته و هما في طريقهما إلى منزل العائلة الكبير، لقضاء بعض السويعات معهم في أحاديث عائلية حميميه ..
شاهد دخاناً كثيفاً يتصاعد من الجهة الشرقية، أبطئ من سرعة سيارته قليلا، و تمكن من تحديد مصدر الدخان تقريباً .. " حريق في المنطقة القريبة من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية " .. اخبر والدته
معلنٌ منذ أيام أن تتجه مسيرةٌ حاشدة في اتجاه سفارة الولايات المتحدة الأمريكية للتعبير عن الغضب الشعبي العارم، بعد الإهانة التي وجهها السفير الأمريكي لهذا الشعب بشتى توجهاته ..
سبب بقائه في المنزل في ذلك اليوم هو عدم اقتناعه بجدوى هذه المسيرات التي اعتبرها ولا زال مجرد تمثيل يلمع به الحاكم صورته أمام كاميرات التلفزيون، مستغلا اندفاع الشعب للتعبير عن مشاعرها الحقيقية ..
وصل مع والدته إلى بيت العائلة الكبير، ومع أول خطوة له داخل البيت، اخبره ابن عمً له بتوارد أخبار من المتواجدين أمام مبنى سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، تفيد بوجود مصادمات و مواجهات عنيفة تم استخدام الغازات المسيلة للدموع و الرصاص المطاطي فيها، و سقط بعض المصابين هناك ..
حاول الاتصال اكثر من مره بأحد المتواجدين هناك، لكن دون جدوى، بسبب الضغط الكبير على شبكة الاتصال ..
بعد اكثر من أربعين دقيقة من محاولات الاتصال، استطاع التحدث أخيرا مع أحد الأشخاص من خلال هاتف ابن خاله – علاء – و اخبره محدثه بأن علاء يعاني من اختناق شديد بعد أن سقطت عبوة من الغاز المسيل للدموع تحت رجله، و هو الان يتلقى العلاج في أحد المنازل القريبة ..
ترك سماعة الهاتف فورا و أسرع في ركوب سيارته متجه للبيت الذي يرقد فيه علاء ..
باهت اللون بارد الأعضاء و محاولات إنعاشه بالتنفس الاصطناعي الكثيرة لا تحمل الكثير من التقدم في حالة علاء ..
حمله بين ذراعية، و ضعه في المقعد الخلفي لسيارته، و تحرك بها قليلا ..
لم يفته وهو في هذه الظروف أن يركز بصره على وجه ذلك الصغير الذي حفرت صورته في ذاكرته ..
ملامحه لم تكن هادئة كما رآه أول مره، بل هو مذعورا إلى ابعد الحدود، يقوم بإشارات سريعة بيديه و يضرب بها رأسه بقوة فوق أذنه اليمني و يبكي ..
بعد المسافة بينهما و الضوضاء الشديدة و صوت الطلقات لم تسمح له بسماع صوت الصغير ..
بين جموع المتظاهرين، حرك سيارته أبطئ في اتجاه الصغير، و فت نافذة سيارته .. " ضياء .. ماذا جرى " .. التفت ضياء – الصغير – مسرعا لمصدر الصوت .. " سقط شهيد " .. ما إن فرغ من جملته تلك حتى غاب بين المتظاهرين ..
السبت 6/4/2002
الساعة 00:20
أخيرا استفاق علاء من إغمائه و تمكن من التنفس طبيعيا بعيدا عن أجهزة الأوكسجين ..
لم يتبقى إلا أن يخضع للمراقبة الطبية لفترة قصيرة قبل أن يعود للمنزل ..
قسم الطوارئ و الحوادث في المستشفى المركزي يعج بالمئات من الرجال و النساء ما بين مصابٍ في المسيرة التي انطلقت عصرا و ما بين مرافقٍ لاحد المصابين ..
أهواءٌ مختلفة و مستوياتٌ متباينة من الناس جمعها قرارٌ واحد يدين تصرف الحكومة المحلية في مواجهتها للجماهير قبل أن يدين تصريح سفير الولايات المتحدة الأمريكية المهين لها ..
تساوى الاثنان في نظر العامة، فلا فرق بين من وجه إهانة للشعب عامه من أرسل قواته لضرب هذا الشعب ..
اقتنع تماماً الان بالنتيجة التي وصل لها سابقا .. " الحاكم يستخدم الشعب فيما يدعم به موقفه إعلاميا، و يضرب بيدٍ من حديد عندما يخرج الشعب عن الخط الذي رسم له " ..
شعار الشفافية و المكاشفة و حرية التعبير المكفولة، ليست سوى كلمات لاستهلاك وزارة الأعلام و أبواق الحاكم، و ليس لها تطبيق حقيقي على ارض الواقع ..
قبل اقل من شهر انتشرت أجهزت الأعلام في الشوارع لعمل استفتاء شعبي شامل، في شأن الوضع الخطير في الأراضي الفلسطينية، و الذي أعلن الحاكم قبل إطلاقه لهذا الاستفتاء بأنه سيوصل أرادت الشعب كاملة في اجتماع الزعماء العرب، و ذلك أخذا منه بمبدأ الديمقراطية ..
طعن – الحاكم - مصداقيته بنفسه، و اسقط شعبيته حتى في صفوف محبيه و الموالين له، عندما سقط في أول اختبار ديمقراطي حقيقي مطالب بطرد السفير الأمريكي من البلاد، مشفوعا هذا الطلب بتواجد علمائي كبير العدد و حضور شعبي يبلغ تعداده اكثر من عشرين ألف شخص، كلهم هتفوا مطالبين بضرورة طرد تلك الشخصية الأمريكية التي لا يرغب في بقائها إطلاقا على ارض هذا الوطن ..
بدل أن يستجب الحاكم لهذا المطلب الشعبي بتنفيذه، استجابت للمتظاهرين ارتالٌ من عبوات الغازات المسيلة للدموع و طلقات الرصاص المطاطي ..
خرج علاء من المستشفى مع تباشير الفجر الأولى ليوم السبت، كما انتشر تقريرٌ طبي يشهد بان محمد جمعه المصاب برصاصة مطاطية أدت إلى كسر في الجمجمة، ميت سريريا ..
الأربعاء 10/4/2002
الساعة 11:41
ارتفع صوت المؤذن معلنا دخول وقت صلاة الظهر، متزامنا مع تعالي صوت رنين هاتفه النقال، تجاهل رنين الهاتف بعد أن ألقى نظرة سريعة على رقم المتصل، لكنه رد على المتصل بعد أن عاود الاتصال به اكثر من مرة في وقتٍ قصير ..
ثلاث جملٍ قصيرة تبادلها مع المتصل ثم تهالك على أحد المقاعد القريبة، و ضع كفه الأيسر على رأسه ضاغطا عليه بقوة، سحب أنفاسه بقوة، استمر على هذه الحال بضع دقائق ..
الأوراق التي أرسلتها وزارة التربية و التعليم ممثلةً في إدارات المدارس لأولياء الأمور، لطلب الموافقة على خروج أبنائهم في هذه المسيرة التي دعت الوزارة لها، ليست سوى صكوك وقع اولياء الأمور عليها تعطي الحكومة التخويل الكامل في قتل و إرهاب الطلاب ..
اكثر من سبع آلاف طالب و طالبه من مختلف المراحل الدراسية توجهوا إلى ميدان سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بمصاحبة الطواقم الإدارية لمدارسهم، انقضت عليهم ارتال العبوات المسيلة للدموع و الرصاص المطاطي دون سابق إنذار أو تحذير ..
اكبر الطلاب لا يتجاوز الثامنة عشر من عمره بينما أصغرهم بالكاد يبلغ السادسة من عمره، فكيف يعقل أو يصدق أن طلاباً خرجوا من مدارسهم سوف يقتحمون السفارة الأمريكية و يزعزعون العلاقات بين الحكومتين!!!
وصل إلى المستشفى المركز قسم الطوارئ و الحوادث، و سبقه حضورٌ كبير بين الألفين و الثلاث آلاف مواطن يبحثون عن أبنائهم ..
كما تعرض الأبناء لعبوات الغاز المسيل للدموع و الرصاص المطاطي كذلك تعرض أولياء الأمور وهم مجتمعين في ساحة قسم الطوارئ و الحوادث لهذه الطلقات، كما حلقت طائرة عمودية فوق رؤوسهم تنقل تحركاتهم اولاً بأول لرجال مكافحة الشغب ..
كثافة الغازات المسيلة للدموع التي تم إطلاقها على المتواجدين هناك، أسقطت العشرات في تلك الساحة ..
على اكف بعض الموجودين حُمل ضياء عاليا بعد أن سقط من جراء كثافة هذه الغازات ..
الأحد 14/4/2002.
الساعة 10:00
توقف عند أحد المطاعم ليتناول وجبة الإفطار، فرآه جالسا على الطاولة الوحيدة في المطعم مع أحد الأطفال ..
يلبس بنطالاً اسوداً جديداً و قميصاً مخملياً ازرق، شعره مرتب، هيئته نظيفة، و رائحة عطرٍ رخيص تفوح منه ..
لم يصدق عينيه، فهذا الجالس على الطاولة هو ذاته ضياء، الفقير المعدم، الذي لا يجد طعاما يأكل منه سوى من حاويات القمامة ..
تجاهل معرفته به تماما حتى لا يشعره بالإحراج أو الانتقاص، كما تجاهل ضياء ذلك أيضا، رغم نظراتهما المتبادلة التي تحمل في طياتها الكثير من الكلام المتبادل ..
بحث ضياء في جيوبه طويلا قبل أن يستخرج منها مائة و خمسين فلسا، دفعها للبائع و طلب ارخص أنواع السندويشات الموجودة ..
صنع البائع السند ويش و سلمها لضياء الذي جلس قبالتها كمن يستعد لالتهام وجبة دسمة كبيرة، بعد طول انتظارٍ وجوع ..
سحب زجاجة الشطه الحراقه من طرف الطاولة، وضع بعض النقاط داخل السند ويش ، ومع قضمته الأولى قرأ المكتوب على الزجاجة ..
اخرج القطعة التي قضمها و رماها فورا .. " أمريكي !!!!!!!!!!! " .. رمي سند ويشه الوحيد، و اتجه لباب الخروج ..
" ما اسمك " .. صوتٌ من خلفه
أدار وجهه بعد ان ميز صوت السائل مبتسماً ابتسامةً خجولة ..
" اسمي .. ضياء " ....